Erbil 15°C الجمعة 19 نيسان 23:29

وعود القلم المنسي

لو كان هذا القلم بحوزتي ، لكنت كتبت تاريخ البلد بشكل مغاير
Zagros TV

قصة بقلم الكاتبة: سوسن البياتي

قفي بجانب هذا العمود.. واذا أتت المعلمة أخبريها أنك مستمعة في الصف الاول، فعمرك خمسة اعوام فقط وانت احببت المجيء الى المدرسة في هذا العام..

" لاباس سيهتمون بك ، اوصيت المعلمة ".

زاكروس

 قال لي أبي هذا الكلام ، ثم قبلني وانصرف .. . كل شي بدا غريبا، باحة كبيرة ، طالبات كثر يلعبن ، اصوات صاخبة، وحده هدوئي كان يسافر غريبا معي في المكان .. يبدو ان المدرسة بدأت منذ اسابيع طويلة ، رن الجرس الكل دخل الصفوف ، الا انا .. مازلت واقفة برفقة العمود.

انتبهت لوجودي احدى المعلمات ، ربما تذكرت وصية ابي اخيرا ، اخذتني لصفي المرتقب لتكتمل به رحلة اكتشافاتي الغريبة . تاقلمت مع الوضع بسرعة ، اجتزت العام الدراسي بنجاح...

مرت الاعوام انه مشرف اللغة العربية يوجه سؤالا ، استغربت للهدوء الذي عصف بغرفة الصف ، بقدر شدة استغرابي لسخف السؤال ، طلبت الاذن بالاجابة فكانت اجابتي صحيحة دقيقة ، أذهلت المعلمة التي كانت لم تكتشف مستواي بعد ، ربما بسبب هدوئي المفرط ، لكنها فرحت في نفس الوقت ، لخروجها من المأزق الذي كانت ستقع فيه ، صفقت لي جميع الطالبات ، ولاول مرة ، لفني ستار من الغبطة والسرور، كان بنكهة ارجوانية لذيذة مميزة..

لاول مرة تاخذنا المعلمة ذاتها الى مكتبة المدرسة ، اختارت الست اميرة، إحدى القصص العالمية القصيرة المترجمة وقامت بقرائتها، شدت رحال خيالنا المتعطش للمعرفة والجموح والخرافة الى عوالم المغامرة والاكتشاف، خلعت نعلي عند باب الخيال المقدس، أنصتت معي جوارحي لكل حرف كان يخرج من الكتاب وهو يتوشح بهالة من نور، كنت معهم ارافقهم في القصة .

 قالت المعلمة " هل فهمتم القصة ؟ من يستطيع اعادة سردها باسلوبه؟ "

 قلت لها : " انا فهمت القصة واستطيع سردها " ثم قمت بسرد القصة باسلوب فصيح مريح ، وتطابقت المفردات تماما مع ما ورد في الكتاب ، لم اغفل عن المصطلحات والاوقات والحوارات والاحداث التي تكتتفها ، حتى القصيدة التي كانت تنتصف القصة ، اتيت عليها كاملة غير منقوصة، الغريب اني كنت اقرا القصة وكأن الكتاب مفتوح امامي، ربما هي بقايا احرف النور التي كنت اراها بينما كانت المعلمة تقرا

  الطالبات ينصتن فاغرات افواههن وكأن على رؤسهن الطير، عم الهدوء في الغرفة وتفاعلت امزجتهن مع الاحداث بشكل تام.

 سالتني المعلمة : " هل لديك هذه القصة في المنزل ؟ او يقرأها لك احد والديك باستمرار؟

 اجبتها بالنفي ..

 اعتقد ان المعلمة عادت وتذكرت قصة مشرف اللغة العربية في تلك اللحظة، وانتبهت الى انها امام طالبة مميزة ، اقلها باللغة العربية، وان عليها ان تعطيها علاماتها كاملة غير منقوصة، بدلا من اعطائها للمعارف وللاصحاب.. ولذوي السلطة والالقاب .

 انه مرض التايفوئيد، بسببه حرمت من الذهاب الى المدرسة مدة شهر او اكثر، (غثيان تقيؤ اضطرابات تنفسية حرارة هذيان) اتذكرها للان، الا اني كنت انظر بنظرة خبيثة للكتب المكدسة امامي ، وبنظرة اخرى ماكرة لساعات استيقاظي الصباحية ، تخلصت من المدرسة وروتينها ولو بشكل مؤقت..

تماثلت للشفاء ، حملت كتبي بما تحوي من معارف منسية وواجبات معطلة مركونة في كراج مزاجي السيء ، تفاجأت بان يوم غد هو موعد بدء الامتحانات الشهرية ، وانا لم افتح كتابا واحدا بعد، المهم اخيرا اهتديت الى اني ساقرا الكتب بطريقة الفاحص، سأقرأ المعلومة الجاحظة البارزة البراقة ، فقط التي تجذبني وتناديني وهي ترقص على السطور، كانت هذه حيلتي الوحيدة لامناص...

المفاجئة ….انتهت الامتحانات بحصولي على اعلى العلامات في الصف، الامر الذي اثار انتباه الادارة والمعلمات ، قررت الادارة ان تمنحني هدية، مكافأة لي على اجتهادي وتفوقي رغم المرض..

 اني اتحول بين ليلة مرض وضحى شفاء الى طالبة مثالية ، الكل يشير لي بالبنان، اشعر بعيون الحاسدين وهي تثقب الاثير غيظا، لكني فخورة بنفسي، ارتدي ثوب الخيلاء والرفعة والزهو..

أرتني الست آلاء قلما ذهبيا رائعا مازلت اتذكره ، يتوسط علبة فخمة ، قالت لي : : هذه ستٌقدم لك اليوم في الاحتفال اليوم هو الخميس، المديرة تمسك بالقلم المميز، ستنطق اسمي، سيراني كل من في الساحة، لايهم أشعة الشمس الحارقة التي اذابت مخي في محجره وطول فقرات الاحتفال التي يبست ساقي، بدأت خطاي تسبقتي، سأحظى بهذا القلم، نطقت المديرة الاسم، اه ... انا ذاهبة لالتقاطة

-:  القلم هدية للطالبة ازهار عبد الخالق !!

انها ابنة قائم مقائمقام البلدة.. !!!

تلك التي ترقص وتدبك كل اسبوع في الباحة على انشودة هي يا اهل العمارة ، هاي اجمل بشارة ، أبان الحرب العراقية الايرانية ، انه سر هوس السلطة وسر تمجيد اصحابه ، هوس عبادة الاصنام والتبعية بدون تفكير ، حرمني من قلمي الذهبي ، ولطم بيد الحقيقة على خد الحلم ، لتتدحرج معه دمعة الفرح التي كانت ترقص في عيني ، وتجرح في طريقها وجه الطفولة المذبوحة..

أتت الست الاء، تقدمت نحوي واعتذرت عن الخطأ الغير مقصود، وعدتني انها ستقدم لي قلما اخر بدلا منه في احتفال الاسبوع القادم.. .

مرت الايام ومازال الناس تبع وذيول لغيرهم من الاجناس ، ولو كان هذا القلم بحوزتي ، لكنت كتبت تاريخ البلد بشكل مغاير ...

منذ الحرب العراقية الايرانية وانا انتظر ذلك القلم ، احداث كثيرة وتقلبات جسيمة حدثت في البلد ، ولم تحضره الست الاء للان ، مرت السنون وطال الانتظار ، لم ارى غير الوعود الكاذبة والخيبة والالم ، رافقت وعود انتظار القلم ، لم تجلب ست الاء القلم للان ، ياترى متى ستجلب ست الاء القلم ؟

سوسن البياتي

 

الأدب

التعليقات (0)

لا توجد تعليقات حتى الآن

الرد كضيف

هل ترغب في تلقي إشعارات؟
ابق على اطلاع بآخر أخبارنا وأحداثنا.